شكل صدور مدونة الأسرة سنة 2004 حدثا بارزا، لما سبقه من تجاذبات وما تضمنته المدونة من نصوص إيجابية تدفع في اتجاه حماية حقوق الطفل، وإنصاف المرأة وصيانة كرامة الرجل، للتشبث بمقاصد الشريعة السمحة في العدل والمساواة والتضامن، والاجتهاد والانفتاح على روح العصر ومتطلبات التحديث والتطور. بهذه العبارات استهلت الأستاذة عزيزة القندوسي عضو لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، مداخلتها ضمن الندوة العلمية التي نظمتها جمعية الوعي والإصلاح النسوي بأرفود تحت عنوان: عشر سنوات على مدونة الأسرة الواقع و الآفاق يومه السبت 01 مارس 2014، كما استحضرت الأستاذة أهم الأحداث التي واكبت صدور مدونة الأسرة حيث عرف الشارع المغربي تنظيم مسيرتين في يوم واحد في كل من الدار البيضاء والرباط، جاء بعدها التدخل الملكي من خلال الخطاب الشهير الذي قال فيه جلالته "بصفتي أميرا للمؤمنين لا يمكن لي أن أحل حراما ولا أن أحرم حلالا".
واسترسلت الأستاذة القندوسي في عرض أهم الإشكالات التطبيقية لمدونة الأسرة، منها ما نصت عليه المادة 20 و21 من المدونة حيث يمكن لقاضي الأسرة أن يأذن بالزواج للفتى أو الفتاة دون سن الأهلية حيث اقترحت تقييد هذا الإذن في سن ستة عشر سنة عوض تركه مفتوحا أو إلغاءه كما تطالب اليوم بعض المنظمات النسائية، كما اقترحت فتح بحوث اجتماعية للتحقق من مدى مصلحة القاصر في زواجه، وكذا بذل مجهود أكبر لتوفير الظروف الملائمة للفتاة القروية لاستكمال دراستها وتحسين ظروفها الاجتماعية.
وفي معرض حديثها عن مسطرة الصلح التي يقوم بها قاضي الأسرة، اعتبرت الأستاذة الاجراء مهم لكن المشكل المطروح اليوم في التطبيق، حيث إنه أمام كثرة الملفات المعروضة على انظار القضاء ومع قلة الموارد البشرية، جعل هذه المسطرة مجرد إجراء قانوني لا غير، وعليه لابد من فتح المجال أمام مؤسسة الوسيط ومراكز الاستماع التابعة للجمعيات العاملة في مجال الأسرة، للقيام بدورها في تنزيل متوازن لمقاربة الصلح بين الزوجين.
واستعرض الأستاذ عبد العزيز إستام، عضو جمعية محامي العدالة والتنمية، مجموعة من المقتضيات القانونية التي جاءت بها المدونة، منفتحة على المذاهب الفقهية الأخرى كالولاية في الزواج لجهة حق الراشدة أن تعقد بنفسها دون الحاجة إلى ولي. وفي حديثه عن المادة 16 من المدونة والمتعلقة بثبوت الزوجية، ذكر الأستاذ بالحملة الوطنية التي أطلقتها وزارة العدل والحريات، لتوثيق عقود الزواج والتي أعطت نتائج جيدة، مسترسلا أنه لا يمكن أن يتم القضاء نهائيا على هذه الظاهرة لأن المحاكم لا زالت إلى يومنا هذا مليئة بالملفات، كما أن هناك من استغل هذا الإجراء للتحايل على القانون في مسألة التعدد.
وبخصوص الطلاق، أشاد الأستاذ إستام بما جاءت به المدونة من إجراءات مهمة، حيث أصبح الطلاق اليوم بيد القاضي، وفي هذا حماية قضائية وقانونية وإدارية للطرفين والأطفال أيضا، لأنه لا يمكن أن يقع الطلاق إلا بتوقيع القاضي. أما عن ارتفاع نسبة الطلاق بعد دخول المدونة حيز التطبيق، أكد الأستاذ أن أغلب الملفات المعروضة على أنظار القضاء هي من نوع الطلاق للشقاق، وذلك راجع إلى الفهم الخاطئ لما ورد في تعريف الزواج بأنه تحت مسؤولية الزوجين، وكذلك مقتضيات المادة 49 المتعلقة بمسألة تدبير الأموال المشتركة بينهما، منبها لجهة ضياع حقوق المرأة والأطفال بهذا الطلاق، لأن المطلقة لا تستفيد من المستحقات المالية لصعوبة إثبات دخل الزوج، فتقضي المحكمة بالنفقة استنادا على ما صرح به الزوج حسب المادة 189.
كما نوه الأستاذ بصندوق التكافل العائلي الذي رصدت له الحكومة مبالغ مالية هامة، لأداء المستحقات المالية للمطلقة، ومستحقو النفقة من الأطفال بعد انحلال ميثاق الزوجية، عند تأخر تنفيذ المقرر القضائي المحدد للنفقة او تعذر لعسر المحكوم او غيابه، بعد ثبوت حالة العوز.
واختتم الأستاذ استام بكون الاستقرار الأسري لا يتحقق بمقاربة قانونية صرفة، وإنما باستحضار الأبعاد التربوية والاجتماعية والاقتصادية.