شهد العالم منذ قرون أمراضا سريعة الانتشار والتي اختلفت تسمياتها عبر التاريخ، إلا أن الأثر والاحترازات كانت تتشابه..
وفي هذا الصدد، جاء فيروس كورونا المستجد، الوباء العالمي الذي وصفته منظمة الصحة العالمية بالجائحة، بتقييد مجموعة من الحقوق والحريات الكونية المتعارف عليها عالميا، والتي يحميها الدستور، الميثاق الغليظ الذي يجمع المغاربة قاطبة، وفق هويتهم الوطنية والحضارية الراسخة عبر التاريخ، تحت لواء وطني واحد.
وذلك بعد صدور مجموعة من القرارات والبلاغات من لدن السلطات العامة في الدولة، كتدابير وقائية وإجراءات إحترازية من أجل الحد من تفشي جائحة "كورونا" ببلادنا، من منطلق المسؤولية والحرص على ضمان النظام العام الصحي للمواطنين.
وخاصة بعد قرار الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية وتقييد الحركة في البلاد الذي دخل حيز التنفيذ يوم الجمعة 20 مارس 2020 بموجب بلاغ أصدرته وزارة الداخلية.
وفي هذه الحالة الإستثنائية بلغة المجتمع لا بلغة الدستور، وفي ظل هذا الفيروس الغامض والقاتل "كوڤيد 19" تأثرت بشكل مباشر مجموعة من الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية، والتي تجد سندها في :
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 10/12/1948 .
- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 16/12/1966 نفاذ 23/03/1976 .
- العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية 16/12/1966 نفاذ 01/03/1976.
وهنا نتساءل باستنكار، هل تعتبر هذه القيود المفروضة لإحتواء ومكافحة إنتشار وباء "كوڤيد19" إنتهاكا لحقوق وحريات الإنسان؟
والجواب هنا طبعا بالنفي، لأن تقييد ممارسة هذه الحقوق والحريات الأساسية كونها تهدد الأمن الصحي العام في هذه الظرفية العصيبة جاء حفاظا على أسمى حق من حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة.
ومن بين الحقوق والحريات الأساسية التي تأثرت بشكل مباشر :
- حرية التنقل عبر التراب الوطني والإستقرار فيه والخروج منه، والعودة إليه... (الفصل 24 من الدستور)، حيث تم إيقاف جميع الرحلات البرية والبحرية والجوية من وإلى المغرب.
- الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية، ومن غير قيد،... وهو ما تضمنه الفصل 28 من الدستور. حيث أعطى الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة تعليمات صارمة للنيابات العامة من أجل متابعة كل مروجي الأخبار الزائفة ذات علاقة بفيروس كورونا .
- حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي... (الفصل 29 من الدستور) .
- الحق في الشغل...(الفصل 31 من الدستور)، حيث تأثر هذا الحق بشكل كبير جراء تأجيل جميع الترقيات وإلغاء مباريات التوظيف في هذه الظروف الصعبة، لتخفيف العبء عن ميزانية الدولة ومواجهة التحديات المطروحة في هذه الحالة الاستثنائية.
- كذلك الحق في التعليم...(الفصل 32 من الدستور)، حيث تأثر نوعا ما، نظرا للإكراهات التي تعترض المتعلمين عن بعد في المواقع والمنصات المعدة لهذا الغرض من طرف وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي.
- حرية ممارسة الشؤون الدينية (الفصل 3 من الدستور)، حيث تقيد هذا الحق بعد أن أفتى المجلس العلمي الأعلى بضرورة إغلاق المساجد سواء بالنسبة للصلوات الخمس أو صلاة الجمعة، ريثما تعود الحالة الصحية إلى منحاها الطبيعي.
وختاما، لكي تنجح الدولة في مكافحة نار هذه الجائحة، يجب على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، التكاليف التي تتطلبها البلاد، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، لمواجهة هذا الخطر الطبيعي الذي يهدد الأشخاص في حياتهم وسلامتهم الجسدية .
ولا ننسى أطرنا الطبية والتمريضية قدوتنا في التضحية من أجل الانسانية.*
كوثر البوزيدي
* مقال رأي تم انجازه في اطار"برنامج الإعلاميين الشباب" الذي يندرج في مشروع "إشراك" القيادات الجمعوية في الترافع وتقييم السياسات العمومية المنظم من طرف "منتدى الزهراء للمرأة المغربية" والممول من طرف الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
الآراء المعبر عنها من طرف كاتب المقال لا تعبر بالضرورة عن موقف "المنتدى" أو ممول المشروع.