عند مناقشة المسألة النسائية في التصور العربي و الإسلامي، نصطدم على الدوام برؤى مترسخة في المخيال الجمعي المشترك تنعكس سلبا على النظرة المؤسسة لموقع المرأة و وظيفتها, وما يفرض التدخل المنهجي للتصحيح و التقويم هو التعسف على الموروث الديني ومن خلاله على النص القرآني في محاولة لبلورة موقف قطعي يحاصر المرأة في زاوية السلب و الغواية و اللعنة تمهيدا لتدعيم الاصطفاف في اتجاه الدعوة إلى تحييدها في مجال المشاركة الاجتماعية و إقصائها من الانخراط الواعي في القضايا العامة التي تهم الإنسان و تنميته.
إن ابرز الإشكالات الفكرية المتجذرة في لاوعينا والتي تعيق تقدير الإسهام النسائي في صناعة التاريخ الإنساني المشترك هو الاعتقاد بمسؤولية المرأة من خلال أمنا حواء عن "هبوط الإنسان" بالتعبير القرآني. لقد تأثر الحس الجمعي الإسلامي برواية غواية حواء لأدام في اتجاه دفعه للأكل من الشجرة المحرمة و بالتالي نيل العقاب الإلهي المتمثل في الهبوط من الجنة إلى الأرض و هي رواية تستمد جذورها من "سفر التكوين" اليهودي و من مفهوم "الخطيئة الأصلية" المسيحي المنشأ و الذي يغذي إلى يومنا هذا أسطورة الشر الأنثوي.
لقد أصر الفكر الذكوري الدوغمائي في التقليد العربي الإسلامي على تجاهل الرواية القرآنية العادلة لواقعة الهبوط ليتماهى مع الإسرائيليات التي اخترقت الوعي الإسلامي في لحظات الانحدار الحضاري و العقم الفكري و الإفلاس العقلي.لقد خاطب الله عز وجل في كتابه الزوج الإنساني( أدام و حواء) في اختيار واضح للتكليف المشترك و المسؤولية المزدوجة عن كل فعل يرهن الوجود الإنساني ** فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه و قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو و لكم في الأرض مستقر و متاع إلى حين**( البقرة 36 )إن صيغة التثنية تحيل على رشد الزوج الإنساني (المرأة و الرجل)و توجيههما معا لتحمل أعباء رسالة الاستخلاف. كما أصر الخطاب القرآني على حضور ضمير المتكلم الجمعي لحظة انبثاق الوعي الإنساني الأولي و لحظة تأسيس حرية الاختيار واستيعاب التركيب الإنساني القائم على الخطأ و الزلل كما يقوم على الرشد و الاستقامة ** قالا ربنا ظلمنا أنفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين**( الأعراف 23)
إن التكريم الإلهي للمرأة ناطق دون مواربة في ثنايا النص القرآني المصر على مدى سوره و آياته على إشراك المرأة إشراكا فعليا في ممارسة متطلبات وظيفة الاستخلاف التي حملها الإنسان و هو اللفظ المتجاوز للتمييز السطحي و التصنيف الجنسي الجائر الذي أودى بنا اليوم إلى استيراد مقاربات تستهدف إلغاءه بحثا عن تصنيف جديد كان أولى بنا أن نصدر نموذج الإنصاف الذي أسسه القران و اغتاله التحريف البشري للكتب السماوية إلا أن قصورنا و تخلفنا جعلنا اليوم في موقف الدفاع عن تهمة نحن منها براء.
يبدو أن الأغلال التي تقيد مقدرات المرأة و إمكاناتها ستظل تلك المكبلة للوعي و كل معركة تحرير تتجاهل هذا المعطى لا تملك إلا أن تكون فاشلة فالمرأة في المناخ العربي و الإسلامي في عمومه ظلت تراوح مكانها يتنازعها تياران يكرسان كلاهما المنظور القدحي الذي يتم تبنيه تجاهها تيار مغرق في المادية لا يرى في المرأة أبعد من حدود جغرافية جسدها ويجتهد في استثمار مكاسب هذا التصور وتيار مرتهن بالجمود لم يجب بعد عن سؤال أهلية المرأة و اكتمال شرطها الإنساني و بين هذا وذاك يبقى البديل الذي يفرض نفسه هو الانخراط في النضال لأجل تجديد الوعي و إعادة صياغته في الاتجاه الذي يعيد الاعتبار للمرأة بوصفها إنسانا في المقام الأول.
رئيسة جمعية إنصاف للمرأة والطفل والأسرة تيزنيت
|